Translate

الأحد، 31 يناير 2016

جودة الشعر

حدثني محمد بن يزيد بن عبد الأكبر النحوي. قال: قدم عمارة بن عقيلٍ بغداد، فاجتمع الناس إليه، وكتبوا شعره، وسمعوا منه، وعرضوا عليه الأشعار، فقال له بعضهم: هاهنا شاعر يزعم قوم أنه أشعر الناس طراً، ويزعم غيرهم ضد ذلك، فقال: أنشدوني له، فأنشدوه:
غَدتْ تستجيرُ الدمعَ خوفَ نوىَ غدِ ... وعادَ قتاداً عندَهَا كلُّ مَرْقَدِ
وأنْقَذَهَا مِنْ غَمْرَةِ الموتِ أَنَّهُ ... صُدُودُ فِراقٍ لا صُدُودُ تَعَمُّدِ
فأَجْرَى لها الإِشْفَاقُ دَمْعاً مُورَّداً ... من الدَّمِ يَجْرِي فَوْقَ خَدٍّ مُوَرَّدِ
هيَ البدْرُ يُغنِيهاَ تَوَدُّدُ وَجْهِهاَ ... إلى كُلِّ من لاقَتْ وَإِنْ لم تَوَدَّدِ
ثم قطع المنشد، فقال عمارة: زدنا من هذا، فوصل وقال:
ولكنني لم أحْوِ وَفْراً مُجَمَّعاً ... ففُزْتُ بِه إلاَّ بشَمْلٍ مُبَدَّدِ
ولم تُعطِني الأيَّامُ نوماً مُسَكَّناً ... أَلَذُّ به بنَوْمٍ مُشَرَّدِ
فقال عمارة: لله دره، لقد تقدم صاحبكم في هذا المعنى جميع من سبقه على كثرة القول فيه، حتى لحبب الاغتراب، هيه! فأنشده:
وطولُ مُقامِ المرءِ في الحَيِّ مُخْلِقٌ ... لديباجَتَيْهِ فاغْتَرِبْ تَتَجدَّدِ
فإنِّي رَأيتُ الشَّمسَ زيِدَتْ مَحَبَّةً ... إلَى النَّاسِ إذْ لَيْسَتْ عليهم بِسَرْمَدِ
فقال عمارة: كَمُل والله، إن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني، واطراد المراد، واستواء الكلام، فصاحبكم هذا أشعر الناس، وإن كان بغيره فلا أدري!.
_____________________________
• من اخبار ابي تمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق